المدونة

رحمة عواشرية / استاذة فلسفة الجزائر

يرتاد الأطفال المدرسة وهم مفعمون بدوافع التعلم تغمرهم الرغبة و يملأهم الشغف عسى أن يلبي العلم فضولهم و يساعدهم في اكتشاف العالم و التكيف معه فكل واحد منهم يأمل أن يجد في المدرسة أجوبة عن كل تلك الأسئلة التي تجول بخاطره.

غير أن النظام التعليمي يفرض نمطا من الكبر المبكر على  طفل في أول عمره حيث يفرض عليه أن يلتزم بقواعد و قوانين و ضوابط تجعل من طفولته  وبراءته شيئا ثانويا يتركه عند باب المدرسة و يدخل إليها بدونه

لا تلعب أنت في القسم. . انتبه المعلم يشرح الدرس ….. توقف عن العبث بأغراضك  التزم الصمت  و أنصت مع زملائك لا تشوش  .سأعاقبك  …. سأتصل بوالديك……

إن   الطفل المثالي الذي تصوره لنا المدرسة هو مجرد آلة صغيرة تتلقى كل المعلومات و تعيدها بذات الطريقة آلة لا تتفاعل ولا تنتقد و لا تبدع و لا تفكر خارج الصندوق و أي طفل اختار أن يكون إنسانا حر سنحكم عليه بعدم الانضباط و تدني  القدرات العقلية

“ يتزايد تقويض الدافع الفطري إلى التعلم عند الطفل كلما تحول العلم  إلى عمل   فالأطفال بطبيعتهم فضوليون و محبون للاستطلاع  و الاستكشاف  واللعب بطرق تجعلهم  يتعرفون على العالم و يفهمونه  لكن الطبيعة الإلزامية التي يتم بها التعليم  حاليا تحول العلم إلى عمل فأي نشاط يجبر المرء على ممارسته بوجود و إشراف و بإملاء طرف أخر فليس إلا عملا إلزاميا لا يمكن أن نتوقع منه نتائج باهرة “(1)

ألا يجرنا هذا إلى ضرورة تغيير النظام التعليمي و تحويله من أسلوب تلقين إلى أسلوب عملي تطبيقي ؟  إن الطفل يتعلم بالقدوة  لا بالتلقين و بالمعايشة لا بالتنظير  فانتهاج أساليب تعليمية حديثة قائمة على بيداغوجيا اللعب و القصة بات اليوم أمر لا مناص منه … فالتعليم  ليس استعداد للحياة انه الحياة ذاتها ……

“ولما كان اللعب مفهوم يملأ عقولنا بالتناقضات عندما نحاول  التفكير فيه بعمق كونه نشاط جاد لكن ليس بالمعنى الحرفي للكلمة فهو نشاط  تخيلي و عفوي و لكنه في نفس الوقت مقيد بالقواعد و مرتكز    على الواقع  ورغم انه سلوك  طفولي  إلا انه السبب في أعظم  انجازات الحضارة الإنسانية  حيث يعد   اللعب وسيلة  طبيعية لكي يتعلم الأطفال  ما يجب عليهم تعلمه للبقاء  على قيد الحياة و العيش حياة  ايجابية وعلى الرغم من أن اللعب يكون دائما مفعما بالسرور و السعادة إلا انه يبقى عملا جادا و رصينا و منتجا و لذلك يرى خبراء علم النفس الاجتماعي و التفكير الايجابي   إن اللعب الحقيقي لا يبدأ إلا عندما نظن أننا نعمل و إن العمل لمنتج و الفعال  لا  يصل إلى اعلي مستويات  الانسجام إلا عندما نظن أننا نلعب” (2)

ومن ثم تم ابتكار بيداغوجيا اللعب :   وهي طريقة معتمدة في  التدريس تدعوا لاستخدام الطرق الفعالة و التي تعتمد على فاعلية المتعلم و نشاطه كما ترتكز على أسلوب التعلم باللعب باستغلال أنشطته في اكتساب المعرفة و تقريب مبادئ العلم للأطفال و توسيع أفاقهم المعرفية

إذن لماذا اللعب في التعليم و التعلم ؟؟

– لأنه أداة تربوية تساعد  في إحداث تفاعل  الفرد مع عناصر البيئة لغرض التعلم و إنماء الفرد

– لأنه  أداة  فعالة في تكيف التعلم و تنظيمه على إيقاعات و إمكانات الأطفال وقدراتهم

– لأنه أداة تنمية و تنشيط  للقدرات العقلية و اكتشاف المواهب الإبداعية لدى الأطفال

وبذلك تهدف  بيداغوجيا اللعب  إلى بناء     مجموعة من التعليمات بطريقة مسلية لدى الطفل بهدف تنمية مهارات و قدرات جسمية ووجدانية قابلة للتقييم و يمكن إجمالها في النقاط التالية :

– تنمية القيم و المهارات و الذكاءات

– تنمية التنافس الايجابي و القبول بالأخر

– تنمية  مهارات جسمية و حركية

– تنمية التفكير الإبداعي و ألابتكاري

فإذا رغبنا في تطبيق هذه لبيداغوجيا  اليوم وجب علينا كأساتذة و معلمين ابتكار العاب جديدة و حيل و أفكار تتلاءم     ومضامين الدرس من جهة و تراعي قدرات التلميذ من جهة أخرى فيجب أولا تحديد الهدف من اللعبة المبرمجة مع استحضار مستوى و قدرات الفئة  المستهدفة مع إمكانية تقييم مدى تحقق الأهداف التربوية المسطرة

فلنأخذ على سبيل المثال بعض أشكال اللعب البيداغوجي و سأقترح في كل شكل لعبة  معينة و يمكن لكل أستاذ أن يبدع بطريقته الخاصة

ففي الشكل  التلقائي مثلا : تعتمد اللعبة أساسا على التعبير و إمكانية اصال الفكرة مشافهة و لأجل ذلك اقترح إدراج القصة كنوع تعليمي يحقق الهدف البيداغوجي من جهة و  مهارات التواصل و الخيال  من جهة أخرى  حيث يروي المعلم لتلاميذه قصة تخدم  الهدف يمكن أن يستخدم هذا النوع في مواد عدة مثل : الفلسفة . التاريخ .علوم الشريعة ….

على أن يحترم المعلم النقاط التالية :

* يجب أن تكون القصة مناسبة لعمر التلاميذ  و مستوى نضجهم العقلي

* يجب أن تدور القصة حول أفكار و معلومات و حقائق يتم من خلالها تحقيق الأهداف المسطرة في الدرس

أما في الشكل التركيبي التحليلي : فيقوم المعلم بإدراج  الألغاز و المسائل التي تعتمد على الذكاء من جهة و تنمية التفكير الإبداعي من جهة أخرى و يستخدم هذا النوع في المواد التالية : الرياضيات .الفيزياء..  و يمكن أن يتعدى هذا النوع من اللعب إلى تحقيق أهداف أخرى كالتسامح و إثبات الذات و التعاون و كذا التواصل و لك عزيزي المربي المثال التالي :

قم بإجراء مسابقة بين طلابك بحيث يجلس كل تلميذ( ذكي )مع تلميذ( متوسط الذكاء  ) قدم مسألة معينة وأوجب حلها في وقت محدد سيقوم التلميذ الذكي بحلها بشكل أفضل و أسرع من زميله و غالبا ما تكون نتيجته صحيحة اطلب منه أن يساعد زميله في حل المسألة ألان و بعد انتهاء الوقت قم بتصحيح الأوراق و أعلن  الفائز . مهلا .. هل ستعلن عن فوز التلميذ الذكي ؟ لا عزيزي المعلم قم بإعلان  اسم التلميذ المتوسط الذي ساعده التلميذ الذكي على حل المسألة و اعتبره هو الفائز سيفرح  التلميذ المتوسط و تزداد ثقته في نفسه و يؤمن بقدراته أكثر . ماذا عن التلميذ الذكي ؟  ليس من العدل فعل ذلك صحيح ؟ حسنا تابع للأخر بعد الإعلان عن اسم الفائز (التلميذ المتوسط )  اخبره انه قد فاز بأفضل  صديق على الإطلاق صديق أخلاقه تسبق علمه و يحب لنفسه ما يحب لغيره و لا يحتكر العلم بل يشاركه و بذلك يكون التلميذ الذكي هو الجائزة التي  نالها التلميذ المتوسط

بعد هذا التمرين عزيزي المعلم ستحظى بوسط تربوي  اخوي يملأه الحب و الإخاء و تكون قد عززت قيم التعاون و التآزر  في قسمك و حققت عدة أهداف تربوية

…….واصل ابتكار العاب تخدم الأشكال الأخرى من الألعاب و أبدع

فتلاميذك يستحقون ذلك

أ/ رحمة عواشرية

(1)/(2) كتاب التعلم باللعب بيترجراي – بالتصرف